سوق الفوركس، تجارة أم نصب واحتيال؟

كيف أختار المحامي المناسب؟!
03/10/2015
حقوق المشتبه به في التحقيق
17/03/2016
كيف أختار المحامي المناسب؟!
03/10/2015
حقوق المشتبه به في التحقيق
17/03/2016

سوق الفوركس، تجارة أم نصب واحتيال؟

تُعَرّف الفوركس على أنها تجارة العملات، رغم أنّ التّعامل في سوق الفوركس يمكن أن يكون بالنّفط والذّهب وأمور أخرى. اشتهرت الفوركس عالميًّا بسبب ما يشاع عنها بأنّ لمن يساهم فيها إمكانيّة – في حال نجح في تجارته – مضاعفة مبلغ رأس المال المساهم فيه عشرات المرّات.

لن أناقش في هذه المقالة قضيّة جواز التّعامل بتجارة الفوركس من النّاحية الشّرعيّة وأترك هذا للمختصّين. لكن هناك ملاحظات بالتّأكيد ينبغي ذكرها بخصوص سوق الفوركس، يتوجّب على كلّ من يتعامل مع هذا السّوق معرفتها. خصوصا بعد أن تبيّن أنّ هناك حالات نصب واحتيال بمبالغ طائلة تحدث فيها.

 

هل كلّ تعامل مع سوق الفوركس ينجم عنه نصب واحتيال؟

ليس كلّ تعامل مع شركات الفوركس يعني بالضّرورة التّعرّض للنّصب والإحتيال – بالمفهوم القانونيّ – من قبل هذه الشّركات. فهناك الكثير من العملاء في هذا السّوق تذمّروا لمجرّد خسارتهم مبالغ طائلة خلال مساهمتهم في هذه التّجارة. فمن ناحية، هي تجارة يمكن أن تضاعف مبلغ رأس المال بسهولة أضعاف مضاعفة، وهي أيضا تجارة يمكن أن تخسر فيها الأموال لتفضي من دون شيء.

هناك مؤسّسات عالميّة تقوم اليوم بتنظيم عمل شركات الفوركس، وتقوم بالتّحذير من الشّركات الّتي وصل بخصوصها بلاغات عن نصب واحتيال وتحذر من التّعامل معها. من هذه المؤسّسات وأشهرها سلطة الرّقابة الماليّة البريطانيّة – FCA.

على العموم، تقسم الشّركات العاملة في مجال الفوركس إلى قسمين رئيسيّين؛ شركات توظّف أموال العميل في سوق الفوركس وهي على تواصل مباشر مع البنوك ومنها تستمدّ المعلومات عن حالة السّوق. هذه الشّركات تسمّى ECN – electronic conviction network؛ وشركات أخرى تسمّى بـ”صانعة السّوق” (Market Maker).

 

النّصب والاحتيال وكيف يتمّ

يعتمد الرّبح الأساسيّ لشركات الفوركس في العادة على عمولات يدفعها الزّبون من خلال التّعامل معهم. النّصب والاحتيال يتمّ من قبل شركات غير منظّمة عاملة في هذا السّوق، في معظمها لا تتاجر في سوق الفوركس الحقيقيّ، بل تقيم تجارة وهميّة أمام زبونها فقط (الشّركات من النّوع الثاني Market Maker)، وفي هذه الحالة، يصبح لديها مصلحة جدّيّة في أن يخسر الزّبون هذه الأموال، فهي أموال تبقى في النّهاية في حسابات الشّركة، لكن ليس بالضّرورة بأنّ كلّ شركة من نوع الـ Market Maker هي بالضّرورة شركة نصب واحتيال، وإنّما هذا القسم من الشّركات، لا يمكن مراقبة عمله بشكل فعّال.

هناك شركات أخرى عاملة في سوق الفوركس يمكن ملاحظتها وهي شركات الوساطة. هذه الشّركات تدخل بين شركة الفوركس والعميل، دون علم شركة الفوركس نفسها، فتقوم هذه الشّركات بعرض خدماتها للعملاء على أنّ لديها أصحاب خبرة يمكنهم المتاجرة بأموال العميل وجني أرباح طائلة، بعد أن يقوم العميل بإعطائهم اسم الحساب الخاصّ به والرّقم السّرّيّ لدى شركة الفوركس. التّعامل مع هذه الشّركات لا يعني بالضّرورة التّعرّض للاحتيال، لكن من يقوم بالسّماح لشركة من هذا النّوع بالدّخول إلى حسابه الخاصّ لتتاجر بأمواله، هو كمن يقدّم أمواله لأيّ شخص لا يعرفه ليتاجر بها، وهذا يعتمد على أمانة من يستلم هذه الأموال في عالم افتراضيّ من الصّعب الحصول فيه على ضمانات.

 

طرق النّصب والاحتيال

النّصب والاحتيال يتمّ بطرق عدّة، قد تصل ببعض الشّركات استئجار مكاتب فخمة ليوم واحد لإيهام العملاء بأنّ هذه الشّركة جدّيّة ومحترمة.

لكن هناك أساليب متّبعة ومنتشرة يمكن ملاحظتها في هذا السّوق. فالشّركات التي تمارس تجارة وهميّة في هذا المجال لها مصلحة في مرحلة معيّنة بأن يخسر الزّبون أمواله بطريقة أو بأخرى؛ منها مثلا إيهام الزّبون بأنه حصّل مبالغ معيّنة من الأرباح، وعندما يقوم الزّبون بتعبئة نموذج لسحب أمواله، يشعر مباشرة بتغيّر التّعامل معه، وفي هذه المرحلة إمّا أن تتجاهله الشّركة بشكل تامّ؛ أو يقوم مندوبوها بإقناعه بالمساهمة بمبالغ أكبر وإيهامه بأنّ باستطاعتهم مضاعفة أرباحه (في هذا الباب من الضّروريّ أن ننوّه إلى أنّ شركات الفوركس المنظّمة والمرخّصة تحظر على مندوبيها القيام بصفقات باسم الزبائن. فإذا قام مندوبو الشّركة بالاقتراح بأن يقوموا هم بإدارة الحساب وإجراء الصّفقات، فقد يضعهم هذا الأمر في خانة الشّركات المشبوهة). وبعد أن يقوم الزّبون بإيداع مبالغ أخرى وتعبئة نماذج أخرى لسحب الأموال، يتمّ التّحايل على الزّبون لكي يتخلّى عن الطّلب. أو يتمّ التّذرّع بأنّ المبلغ محجوز لأسباب معيّنة، وينبغي دفع مبلغ من المال لتحريره من الحجز.

 

كيف يمكن التّمييز بين الشّركات الّتي تمارس النّصب والاحتيال والشّركات الأخرى؟

ليس بالسّهولة يمكن التّمييز بين شركات النّصب والاحتيال وبين شركات التّجارة الحقيقيّة في سوق الفوركس. فالعديد من الشّركات الّتي تمارس تجارة حقيقيّة في هذا السّوق لا تنشر مواقع تواجدها الحقيقيّ، تماما مثل شركات النّصب الّتي تنشر عناوين وهميّة على الشّبكة العنكبوتيّة. من هذه الأسباب خوف هذه الشّركات من أنّ نشر أماكن تواجدها قد يسبّب نفور العملاء من التّعامل معها.

الطّريقة الأفضل للتّعرّف على شركات النّصب هي مشاركة المعلومات بين المساهمين في سوق الفوركس على الشّبكة العنكبوتيّة من خلال المنتديات ومجموعات التّواصل الإجتماعيّ، وأن يقوم المساهمون بسرد التّجربة الّتي مرّوا بها والمشاركة في معلومات حول الشّركات المشبوهة الّتي تمّ التّعامل معها.

مؤشّرات أخرى يجب أن تثير الرّيبة لدى العميل في سوق الفوركس هي الرّافعة الماليّة العالية. فالشّركات الّتي تعرض رافعة ماليّة عالية (بمئات المرّات)، تعتبر شركات غير آمنة من حيث التّعامل معها.

طريقة أخرى هي دخول مواقع مؤسّسات الرّقابة على سوق الفوركس، حيث تقوم هذه المواقع بنشر التّحذيرات حول الشّركات المشبوهة في سوق الفوركس.

 

هل يمكن ملاحقة هذه الشّركات قضائيًّا؟

نعم يمكن ذلك، ولكن على من ينوي الملاحقة قضائيًّا – ملاحقة فعّالة يستطيع من خلالها استعادة أمواله – أن يمتلك الأدلّة حول الأماكن الحقيقيّة لتواجد هذه الشّركات، والوصول إلى الاسم الحقيقيّ المسجّل للشّركة في الدّولة الّتي تتواجد فيها. فكلّ هذه الشّركات في النّهاية مسجّلة تحت غطاء قانونيّ معيّن في الدّولة الّتي تتّخذها كقاعدة لمزاولة أعمالها (ليس بالضّرورة العنوان المنشور على الشّبكة العنكبوتيّة)، وإن لم تسجّل على أنّها شركة تمارس العمل في سوق الفوركس، فهي بالتّأكيد مسجلة – ظاهريًّا – على أنّها شركة تمارس عملا قانونيًّا ما، وإذا تواجدت أدلّة للرّبط بين الشّركة الفاعلة على الشّبكة العنكبوتيّة والشّركة الفاعلة حقيقةً في دولة محدّدة، عندها يمكن ملاحقة الشّركة قضائيًّا في الدّولة الّتي تتواجد فيها أو في أيّ دولة أخرى بحسب هويّة الشّركة ومكان تواجدها.

قبل كلّ ذلك، يجب أن يكون معلوما لكلّ من يودّ التّعامل مع سوق الفوركس، بأنّه يتعامل مع سوق – في الغالب – لا يمكن مقابلة الطّرف الآخر فيه، بالأخصّ الطّرف المؤتمن على أمواله، فعليه أن يكون حذرا في هذه الاستثمارات. كما أنّ كلّ من يودّ أن يستثمر في هذه السّوق أن يعتمد على نفسه وخبرته، بعد أن يتعلّم ذلك ويكتسب الخبرات اللّازمة في الموضوع، وأن لا يعتمد على وسطاء يديرون له أمواله.

 

ملحوظة: نأمل أن تكونوا قد استفدتم من هذه المقالة، لكن اعلموا جيّدا أنّ هذه المقالة ليست استشارة قانونيّة أو بديلا عن استشارة قانونيّة.

يحيى الدهامشة, سبتمبر 2015