كيف نواجه العنف؟ وهل الشرطة هي الحل؟

حقوق المشتبه به في التحقيق
17/03/2016
حقوق المشتبه به في التحقيق
17/03/2016

كيف نواجه العنف؟ وهل الشرطة هي الحل؟

 

ما مشكلتي مع مركز شرطة في كفركنا، وما مشكلتي مع الوحش؟

الجواب على هذا السؤال ليس بالقدر الذي تفوق أهميته أهمية وجود نقاش صحي بين أبناء كفركنا حول هذا الموضوع قبل كل شيء.

الشرطة هي الذراع القوية والمنفذة على أرض الواقع لقرارات السلطة التنفيذية (الحكومة)، وهي المخولة في كثير من الأحيان لاستعمال القوة من أجل فرض السيطرة والاستقرار وبسط الأمن. مكافحة الجريمة هو أحد مهام هذه الذراع وليست المهمة الوحيدة والرئيسية لديه (الأمر متعلق بسلم الأولويات وتوجيهات الحكومة).

يعتقد البعض أن وجود مركز شرطة في كفر كنا هو الحل الأمثل لمعالجة العنف المستشري في مجتمعنا، فوجود الشرطة، يعطي شعورا رادعا لمن ينوي ارتكاب الجنايات؛ كما أن وجودها في البلد، يعطي ردا سريعا وناجعا في حال وقوع تجاوزات للقانون.

سأعرض وجهة نظري من زاوية مختلفة عن النقاش الدائر حتى اليوم، وسأحاول من خلالها أن أوضح وأثبت، أن لا علاقة بين وجود مركز شرطة في البلدة وبين ردع حوادث العنف، وأن مكافحة العنف لا تتم عن طريق وجود مركز شرطة في البلد.

يُقسم علماء علم مكافحة الجريمة الجنايات إلى قسمين، الجنايات الوسلية أو الأداتية Instrumental crimes والجنايات التعبيرية Expressive crimes (الترجمة هي ترجمتي وقد تكون غير دقيقة، لكنها تكفي لعرض الحجة بصورة واضحة). النوع الأول يُقصد به الجرائم التي تُرتكب كوسيلة للوصول لهدف معين، كجرائم السرقة والسطو، أو حتى الجرائم التي ترتكبها عصابات الجريمة المنظمة، بغض النظر عن ماهية الجريمة. أما الجرائم من النوع الثاني فتشمل على سبيل المثال، جرائم العنف والاعتداء الجنسي (وهي نتيجة الاندفاعية وفقدان السيطرة). من خلال الأبحاث الموجودة لدينا والمعتمدة حتى اليوم، فإن المتابعة القضائية والشُرطية كان من شأنها تخفيف انتشار الجريمة من النوع الأول، حينما كانت هذه الجرائم على سلم أولويات الشرطة، بينما لم يكد يكون لها تأثير بخصوص النوع الثاني. بمعنى آخر، وجود شرطة لن يكون له تأثير على مستوى العنف، ولا علاقة بين وجود وبين انتشار هذه الظاهرة. لجنة دورنر أكدت هذا الأمر في تقريرها الذي قدمته للحكومة في آب 2015، بخصوص بحث موضوع طرق العقوبات وعلاج المجرمين.

نحن نعلم هذه النتيجة أيضا من خلال تجربتنا كأقلية عربية في هذه البلاد، فقد علمتنا التجربة أن وجود مراكز شرطة داخل البلدات العربية لا يؤدي بالضرورة إلى انخفاض نسبة الجريمة من النوع الأول (ببساطة لأن مكافحة الجريمة ليست على سلم أولويات هذا الجهاز)، بل ويمكن وبكل وضوح أن نقول بأن الجريمة المنظمة استفحلت في بلدات معينة بالذات بعد قيام مراكز الشرطة هناك. كما لم يكن لها تأثير على الجريمة من النوع الثاني، هكذا كان في الطيبة وأم الفحم ورهط، وكذلك لدينا مثال في الناصرة، وهي مدينة فيها مركز شرطة منذ قيام الدولة.

إذا لم تكن هناك علاقة بين ازدياد العنف وبين وجود مركز شرطة، فكيف سنحارب هذه الآفة إذن؟! ولم هي في ازدياد أصلًا؟!

بخصوص الجريمة من النوع الأول، أو ما نعاني منه في مجتمعنا وهي الجريمة المنظمة، وما ينتج عنها من عنف؛ فهذا النوع يتم مكافحته وفق خطط تعدها قيادة الشرطة ويتم تنفيذها من قبل الوحدات المركزية (ימ״ר)، وهي ليست من اختصاص المراكز الشرطية المحلية غير القادرة على التعامل مع هذا النوع من الإجرام أصلًا (هذا النوع من الجرائم بالذات، لا تعاني منه بلدة مثل كفركنا مثلا، ويبدو أن نسيجها الاجتماعي هو الذي كفل حمايتها من ذلك، لكن هذا الأمر بحاجة لبحث أيضا).

أما بخصوص النوع الثاني من الجرائم، وبالأخصّ جرائم العنف التي يعاني منها مجتمعنا، فهي متعلقة – وهنا قد يبدأ خلافي مع بعض السياسيين فينا – نحن وفي الوحوش التي تعيش بداخلنا. المشكلة ليست في السلاح وانتشاره بقدر ما هي في مشكلة عدم السيطرة على هذا الوحش الذي يخرج من كل واحد فينا حين تقع أقل حادثة يشعر فيها بأنه قد تم المس بكرامته واحترامه. فمن ليس لديه سلاح، لديه دبسة تحت مقعد السيارة، ومن ليس لديه دبسة، لديه قبضة يده للكم أي شيء أمامه، لماذا؟ لماذا يخرج الإنسان من بيته (أو حتى داخل بيته) وإمكانية الحل العنيف هي إحدى الاحتمالات الطبيعية الواردة لديه لحل مشاكل الحياة التي قد يواجهها؟ خصوصا في بلده ومع أبناء عائلته وقومه؟

ان المسبب الاساسي للجرائم من النوع الثاني كما ذكرت، هو الاندفاعية وعدم القدرة على ضبط النفس، ما يتيح للوحش (والوحش موجود في كل إنسان بغض النظر عن هويته القومية والدينية والطائفية) الخروج عند أول مشكلة يواجهها الواحد منا.

كيف تضبط الوحش الذي في داخلك”؟ هو الشعار الذي يجب أن ينتصب أمامنا كمجتمع في مواجهة هذه الظاهرة. وكل شخص وكل مؤسسة في المجتمع يتحملون المسؤولية في هذا الباب. في موروثنا الحضاري الكثير من الأقوال التي تعبر لنا عن ضرورة ضبط النفس وتهذيبها ابتداء من القرآن والحديث وأقوال العلماء على مر التاريخ. فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “ليس الشديد بالصّرعة، بل الشديد من يملك نفسه عند الغضب”، وفي قول آخر له عليه الصلاة والسلام، “إنما الصبر عند الصدمة الأولى”، يكاد يحفظها كل واحد منا، لكن رغم ذلك، تجد الوحوش فينا تخرج في كل فرصة تتاح. ما المشكلة إذن؟ يبدو أن وعظ المنابر والدروس لا يكفي. في مرحلة معينة، كنت أظن أن المشايخ فشلوا في دورهم، فرغم كمية الوعظ والإرشاد التي بدأنا في مرحلة معينة نتضايق منها حتى، خصوصا في مجالس العزاء، لا تؤدي دورها، لكن في الحقيقة، المشكلة ليست في الوعظ، فهذا أكثر ما يمكن للوعاظ أن يقدموه. المشكلة أن لدينا موروثا رائعا في نبذ العنف، لم نطوره لنعالج به هذه الآفة عندنا، نحن لسنا بحاجة إلى رجال دين أو وعاظ أو مشايخ ليذكرونا بهذا الموروث، نحن بحاجة إلى علماء ورجال اختصاص يطورون هذا الموروث إلى أساليب لعلاج العنف في مجتمعنا. تماما كما فعلت المبدعة بشرى مزاريب، التي وظفت القرآن ضمن أساليبها وخبراتها من خلال دراستها لعلم النفس، تحاول من خلاله استعمال هذه المرجعية الُمسَلّم بها عندنا كمجتمع من أجل نقلنا إلى مستوى أفضل.

توجد لدينا مرجعية أخلاقية واجتماعية وقيميّة رائعة، نحن لا نقوم بتوظيفها بشكل سليم في حياتنا اليومية، وهذه هي مسؤوليتنا الرئيسية، كأشخاص وكأرباب أسر وكمجالس وبلديات ولجان شعبية وحركات وأحزاب وجمعيات فاعلة في المجتمع.

هذا هو التحدي الرئيسي أمامنا: أن نحول موروثنا الحضاري إلى طرق وأساليب فعالة في مجال العنف تحديدا، عن طريق علماء الإجتماع والأخصائيين النفسيين من أبناء مجتمعنا. 

كيف نفعل ذلك؟

– العمل على توعية على جميع المستويات بأهمية الموضوع وأهمية معالجته.

– الدعم المادي والمعنوي لطلاب علم الإجتماع وعلم النفس في الجامعات، وتشجيعهم من أجل إكمال الدراسات للقب الثاني والثالث ودخول مجال الأبحاث في هذا الموضوع.

– العمل على إقامة مراكز أبحاث عندنا كأقلية عربية في هذا المجال، أو على توجيه مراكز أبحاث قائمة لبحث هذا الموضوع. مواضيع البحث الرئيسية: تطوير أساليب معالجة ومكافحة العنف المتبعة التي أثبتت نجاعتها عالميا (مجموعات السيطرة على الغضب كمثال)، وملاءمتها وفق المرجعية الأخلاقية لمجتمعنا.

– إنشاء برامج لمكافحة العنف، عن طريق أخصائيين من أبناء مجتمعنا، يتم إدراجها وفق المؤسسات القائمة حاليا، كمؤسسة الرفاه الاجتماعي في المجالس والبلديات، وأقسام خدمات التقويم في وزارة الرفاه الاجتماعي.

– برامج تقويم وتربية للجيل الصغير وطلاب المدارس على وجه الخصوص، لإيجاد علاج سريع وطرق تقويم يتم توظيفها من خلال المدارس.

طبعا كل ما ذكرته هو اقتراح أولي، يمكن تطويره وتعديله والإضافة عليه، باعتباره نقطة بداية أو موجهاأوليا لمواجهة العنف.

يحيى دهامشة

كانون أول (ديسمبر) 2016